هكذا وصل جنون الغطرسة والقوة ..لم يكتف بحرب وحشية استمرت لأكثر من عام ونصف. أتت على كل الحياة بشرا وحجرا.. جَلَد الشعب الصامد جعلهم لايكفون عن المزيد .. تتفتق أذهانهم دوما عن جديد يضاف لسجل تاريخهم الإجرامى.. لا تهمهم أصوات معارضة تنطلق بين الحين والآخر في مظاهرات منددة بحرب الإبادة، مطالبة بوقفها ومحاكمة مرتكبيها.. لا تهمهم قرارات لمحاكم دولية تدين سفاحى الحرب وتصدر أوامر بتوقيفهم واعتقالهم.. لاتهمهم كلمات الراعى الرسمي والداعم الأكبر لجرائمهم، ومطالبته لهم بوقف الحرب. ربما يدركون أنها مجرد كلمات جوفاء لزوم تمرير ظروف بعينها أو الاستمرار في لعبة تتطلب مزيدا من الكذب الممجوج الذى يثير من الغضب، أكثر مما يثيره من الدهشة.
لا أحد يوقف مجرم الحرب بعدما تخلى عن غزة الأشقاء.. نيران تحرق الأجساد وعشرات الآلاف من الشهداء.. ويد تصافح العدو غاضة الطرف عما في يده من دماء.
صَمَت الأشقاء ورقصوا في حفل شواء الأجساد في وطن منكوب.. صافحوا في مهانة اليد الممدودة بالعون الدائم لعدوهم، شربوا معه نخب ضياع الوطن وإبادة شعب وتحويل ما تبقى منه للعيش في خيام للإيواء.
لكن العقل الإجرامى يتعطش دوما لمزيد من الدم، لايكفيه ما سقط من الشهداء.. عقله مسكون بجحيم كنار جهنم، كلما سئلت هل إمتلأت تقول هل من مزيد؟.
من نار الحرب لنيران التجويع.. حصار مفروض بخناقه المطبق على عناق شعب مكلوم .. أجساد أطفاله الجوعى باتت عظاما.. كفَّ الصغار عن طلب ما يسد رمقهم.. ليس استسلاما لكنه وهن العاجز الذى لايقوى على مجرد كلمات.. عيونهم المفتوحة رعبا على موت يتربص بهم جوعا أو حرقا أو خنقا تحت أنقاض شبه بيوت لايتوقف العدو عن استهدافها ليحيلها ترابا .. كل الأرض باتت قبورا، ومازال العدو يطمع بالمزيد.
يتساقط الشهداء أمام أعيننا ليل نهار، تطاردنا لعنة الخنوع الصمت والعجز .. يخنقنا الشعور بالياس وقلة الحيلة.
تصدمنا التصريحات المستفزة لتزيد من الإحباط .. ينتشى العدو بحالة الضعف، فيمارس المزيد من غطرسة القوة.
يخرج لسانه للعالم بينما يسمح بإدخال المساعدات لغزة.. لايفعل ذلك بالطبع استجابة لضغوط أمريكية، أو تمهيدا لإتفاقية تبادل أسرى، ولا بالطبع رغبة في إنهاء الحرب، بل على العكس يفعل ذلك، كما إعترف نتنياهو بنفسه، حتى يتسنى له الإستمرار في الحرب.. يرفع الحصار قليلا حتى لا يفقد دعم أقرب حلفائه، هكذا يبرر وهكذا تبدو لعبته الجديدة.
يطعمهم حتى يقتلهم، فلا أحد يجرؤ على كفه عن الحرب.. ولماذا يكف، والكل يبارك جرائمه .. دعما وتواطؤا وصمتا وخنوعا.
مزيدا من الهوان لم نعد نتحمله، لكننا مجبرون على تجرعه في صمت، على أمل أن يحيي الله مامات من عزائمنا، ويبث في ضمائرنا صحوة لنصرة كلمة الحق ومواجهة عدو لعين.
-------------------------
بقلم: هالة فؤاد